مع اشتداد الصراع في لبنان، اضطرت آلاف العائلات إلى الفرار بحثاً عن ملجأ في سوريا المجاورة رغم الحرب الدائرة هناك. وعلى مدى الأيام الأخيرة، ازدحمت طوابير طويلة من الحافلات والسيارات على الطرقات المؤدية إلى الحدود السورية، حتى أن بعض العائلات قامت بالرحلة سيراً على الأقدام. وقد تركت الاختناقات المرورية التي تمتد لعدة كيلومترات من الحدود الكثيرين ينتظرون لساعات، على أمل الهروب من العنف المتزايد في بلدهم الأم.
ويأتي هذا النزوح رداً مباشراً على القصف الجوي الإسرائيلي لجنوب وشرق لبنان، والذي أفاد مسؤولون محليون بأنه أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وتركز العمليات العسكرية الإسرائيلية على مقاتلي حزب الله وأسلحته، لكن المدنيين لا يزالون يتحملون العبء الأكبر من الهجمات. ومن المتوقع أن يرتفع عدد العائلات النازحة بشكل حاد في ظل استهداف الغارات الجوية للمجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق المكتظة بالسكان.
وبمجرد عبور الحدود، تواجه العائلات ساعات إضافية من الانتظار حتى يتم التعامل معها من قبل مسؤولي الحدود السوريين المثقلين بالأعباء. ويقوم عمال الإغاثة على الأرض بتوزيع الطعام والماء والبطانيات والفرش على المحتاجين. ومع ذلك، فقد أدى تدفق اللاجئين إلى إجهاد القدرة الاستيعابية لعمليات الإغاثة، مما أجبر الكثيرين على قضاء الليل في العراء في انتظار دورهم. بعض القادمين من لبنان مصابون بجروح بادية للعيان، في تذكير كئيب بحدة العنف الذي يفرون منه.
لبنان، الذي استضاف أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، يشهد الآن انضمام العديد من مواطنيه إلى نفس النزوح الذي جلب السوريين إلى لبنان منذ أكثر من عقد من الزمن. اندلعت الحرب الأهلية في سوريا من انتفاضة سلمية قوبلت بقمع وحشي من قبل الحكومة، وتحولت إلى صراع ترك البلاد ممزقة ومدمرة. بالنسبة للكثيرين، كان لبنان بالنسبة للكثيرين مكاناً للجوء، أما الآن فهو بلد في أزمة.
في البلدات الحدودية السورية مثل جديدة يابوس، يمكن رؤية العائلات جالسة على جانب الطريق، وقد حزمت أمتعتها في حقائبها في انتظار وسائل النقل. وقد أفاد البعض أنهم يقضون من ثماني إلى تسع ساعات فقط للوصول إلى الحدود من منازلهم في لبنان. وعند المعبر، يتعيّن على الناس اجتياز تحديات إضافية. إذ يُطلب من المواطنين السوريين تحويل 100 دولار أمريكي إلى العملة المحلية قبل دخول البلاد، وهو إجراء يهدف إلى دعم الاقتصاد السوري المتعثر. ومع ذلك، تسببت الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين في نقص في الليرة السورية، مما أضاف المزيد من التأخير.
ومن بين العائدين لاجئون سوريون فروا من الحرب في بلدهم الأم منذ سنوات. بالنسبة للبعض، هذه هي المرة الثانية التي يضطرون فيها إلى ترك منازلهم. ووصفت إحدى العائلات السورية الفارة من مدينة صور الساحلية اللبنانية كيف دُمر منزلها خلال القصف، ولم يترك لهم أي خيار سوى العودة إلى سوريا. كما أعربت عائلات أخرى، مثل تلك القادمة من شرق سوريا، عن عدم اليقين بشأن وجهتهم التالية، حيث لم يعد لدى العديد منهم منازل للعودة إليها.
كما تفرّ العائلات اللبنانية أيضاً بشكل جماعي. وقد تضرر سكان جنوب لبنان بشكل خاص من النزاع، حيث أبلغت بعض القرى عن تدمير العديد من المنازل ومقتل جيرانهم في الغارات. ويختار الكثيرون البحث عن مأوى مؤقت في الضواحي السورية، على الرغم من الحرب الدائرة. إن استئجار شقة في سوريا أرخص بكثير من لبنان، وقد استأجرت بعض العائلات بالفعل عقارات كـ”خطة بديلة” احترازية في حال اضطروا إلى الفرار.
ومع ذلك، لا يزال الوضع معقداً للغاية. ففي حين أن سوريا قد تبدو وكأنها توفر الأمان النسبي في الوقت الراهن، إلا أنها لا تزال بلداً غارقاً في الصراع. بالنسبة للاجئين السوريين، تأتي العودة إلى وطنهم مع خطر الاعتقال بسبب صلات مزعومة بجماعات المعارضة أو التجنيد الإجباري في الجيش. وقد أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مؤخراً عفواً عن الجرائم التي ارتكبت قبل 22 سبتمبر/أيلول، بما في ذلك التهرب من التجنيد العسكري، لكن قرارات العفو السابقة فشلت في إقناع اللاجئين بالعودة. ويخشى العديد من السوريين على سلامتهم ويترددون في مغادرة لبنان، على الرغم من تدهور الأوضاع هناك.
ومع تفاقم الوضع، يستمر تدفق اللاجئين إلى سوريا في الازدياد، مما يمثل انعكاساً قاتماً للوضع في كلا البلدين. فما كان في السابق ملاذاً للسوريين الباحثين عن ملجأ، أصبح الآن طريقاً لهروب العائلات اللبنانية اليائسة التي تبحث عن الأمان وسط تصاعد العنف.