وفي تطور للضغوط الاقتصادية، يتسبب التدخل العسكري العدواني لروسيا وما يترتب على ذلك من اقتصاد الحرب في إحداث تأثير مضاعف في سوق العمل لديها. فقد أدى الارتفاع الكبير في الطلب على الأفراد العسكريين وأفراد الدفاع إلى استنزاف جزء كبير من القوى العاملة من القطاعات المدنية، مما خلف وراءه سلسلة من نقص العمالة وكشف نقاط الضعف الهيكلية داخل الاقتصاد الأوسع.
أزمة نقص العمالة
وبينما يستعد الكرملين لصراع طويل الأمد، فإن سوق العمل تضيق إلى حد غير مسبوق. وقد أدى هذا التحول المفاجئ نحو الإنتاج الدفاعي إلى ترك الصناعات الأخرى تتدافع على العمال، مما أدى إلى تقويض استقرار القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على العمالة المكثفة.
ويتناقض هذا الوضع بشكل صارخ مع الروايات الرسمية التي تدعي وجود صحة اقتصادية قوية مدعومة بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. وبدلاً من ذلك، يبدو هذا الرقم مضخماً بسبب الإنفاق الدفاعي، الأمر الذي يحجب المعضلات البنيوية التي تهدد الاستقرار على المدى الطويل.
التحديات الديموغرافية وهجرة الأدمغة
ومما يزيد من تفاقم المشكلة المشهد الديموغرافي في روسيا، حيث تفرض الشيخوخة السكانية وتقلص عدد السكان مجموعة من التحديات الخاصة بها. وتؤدي الحرب إلى تفاقم هذه القضايا، لا سيما مع التعبئة العامة في العام الماضي والهجرة الجماعية للشباب المتعلمين الفارين من الخدمة العسكرية، مما خلق فراغا في القطاعات التي تعتمد على العمالة ذات المهارات العالية مثل تكنولوجيا المعلومات.
وقد أدى قرار توجيه الاقتصاد نحو الحرب إلى معاناة الصناعات المدنية من نقص العمال. وينعكس هذا في معدل البطالة في البلاد، والذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ 30 عاما بنسبة 3٪. ومع ذلك، فإن هذه الإحصائية مضللة، لأنها لا تأخذ في الاعتبار المخاطر الاقتصادية وندرة العمالة في الصناعات الرئيسية. تعود أسابيع العمل الممتدة وتزايد الطلب على العمالة إلى حقبة ماضية، حيث اعتمدت بعض المصانع نوبات عمل على مدار الساعة لمواكبة الضغوط.
حصيلة التكنولوجيا والدفاع
وحتى القطاعات التي ينبغي لها أن تستفيد ظاهرياً من اقتصاد الحرب، مثل تكنولوجيا المعلومات والتصنيع الدفاعي، ليست محصنة ضد أزمة العمالة. مع الإبلاغ عن نقص يصل إلى 700000 من متخصصي تكنولوجيا المعلومات وشركات الدفاع مثل Rostec الذين يبحثون علنًا عن موظفين جدد، فمن الواضح أن المشكلة تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية.
لقد وصل الوضع إلى نقطة حيث يتم التغاضي عن المؤهلات في البحث اليائس عن القوى العاملة لتلبية احتياجات الصناعة العسكرية.
سوق العمل في روسيا تحت الحصار
يتنقل سوق العمل في روسيا حالياً عبر منطقة مجهولة. ومع تسبب الحرب في نقص حاد في العمالة في جميع المجالات، يبدو أن الاقتصاد قد تم دفعه إلى حدوده التشغيلية. ربما تكون الجهود التي بذلتها الحكومة لتعزيز جيشها قد أدت إلى تقليص حجم العمالة المدنية عن غير قصد، الأمر الذي كشف عن التوازن الدقيق بين الدفاع الوطني والحيوية الاقتصادية.
ويطرح هذا الوضع تساؤلاً كبيراً حول مدى استدامة اقتصاد الحرب هذا وتأثيراته الطويلة الأمد على مكانة روسيا الاقتصادية المحلية والعالمية.