اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إطلاق النار في أوكرانيا شريطة أن تسحب كييف قواتها من المناطق التي ضمتها موسكو في عام 2022 وتتخلى عن تطلعاتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وسرعان ما رفض المسؤولون الأوكرانيون هذا الاقتراح، الذي تم تقديمه خلال خطاب ألقاه في وزارة الخارجية الروسية، ووصفوه بأنه تلاعب وسخيف.
يأتي عرض بوتين في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدبلوماسية الدولية، حيث تستعد سويسرا لاستضافة قادة العالم لمحادثات السلام بينما تجتمع دول مجموعة السبع في إيطاليا. انتقد الرئيس الروسي هذه المبادرات ووصفها بأنها محاولات لتحويل الانتباه وتشويه جذور الأزمة الأوكرانية.
ومن أهم شروط بوتين لوقف إطلاق النار اعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، والتزامها بأن تبقى غير نووية، وفرض قيود على قدراتها العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، طالب بوتين برفع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وردًا على ذلك، كررت أوكرانيا موقفها بشأن استعادة الأراضي المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ومحاسبة روسيا على جرائم الحرب المزعومة. رفض المسؤولون الأوكرانيون اقتراح بوتين باعتباره يفتقر إلى الجوهر واتهموا روسيا بإطالة أمد الصراع.
وقد أدان القادة الغربيون، بمن فيهم الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مطالب بوتين، مؤكدين دعمهم لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. وأكدوا أن تصرفات روسيا، بما في ذلك الاحتلال غير القانوني للأراضي الأوكرانية، تمنعها من إملاء شروط السلام.
وفي الوقت نفسه، يستمر الصراع على الأرض بلا هوادة. تدّعي الدفاعات الروسية أنها اعترضت 87 طائرة أوكرانية بدون طيار في واحدة من أكبر عمليات القصف في الحرب، على الرغم من أن السلطات الأوكرانية لم تبلغ عن وقوع أضرار أو خسائر كبيرة. وفي رد انتقامي، أكدت القوات الجوية الأوكرانية على إسقاط العديد من الطائرات بدون طيار والصواريخ الروسية، وتسببت بعض الحوادث في وقوع إصابات في صفوف المدنيين وأضرار في الممتلكات.
لا تزال الخسائر الإنسانية الناجمة عن الصراع مستمرة، وهو ما تؤكده إعادة روسيا 254 جثة جندي أوكراني إلى كييف. وعلى الرغم من هذه الإيماءات، يشدد المسؤولون الأوكرانيون على ضرورة انسحاب روسيا الكامل من الأراضي المحتلة والانخراط بصدق في مفاوضات السلام.
يواصل الجيش الأوكراني، الذي يواجه تحديات في الذخيرة والأسلحة بسبب التأخير في المساعدات العسكرية الغربية، مقاومة التقدم الروسي. وتسلط الاشتباكات الأخيرة، بما في ذلك الحوادث التي وقعت في منطقة دونيتسك وأسفرت عن إصابات في صفوف المدنيين، الضوء على الأزمة الإنسانية المستمرة في المنطقة.
كما تناول خطاب بوتين أيضًا الأعمال العسكرية السابقة، مدعيًا أن وجود روسيا بالقرب من كييف يهدف إلى إجبار القيادة الأوكرانية على الدخول في مفاوضات بدلاً من الشروع في احتلال واسع النطاق. وأشار إلى استعداد مفترض للتفاوض على عودة بعض المناطق إلى أوكرانيا، بشرط تقديم تنازلات استراتيجية.
ويرى المنتقدون في خطاب بوتين مناورة لتحويل اللوم وتأخير جهود السلام الحقيقية. ويجادلون بأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والأعمال العسكرية الجارية في شرق أوكرانيا يتناقض مع التزامها المزعوم بالحوار والسلام.
في الوقت الذي تتكشف فيه المبادرات الدبلوماسية، لا تزال التوترات بين روسيا والدول الغربية على أشدها. لا يزال الصراع في أوكرانيا، الذي اندلع في فبراير/شباط 2022، والذي تحول إلى غزو شامل، يختبر الجهود الدولية للتوسط في سلام دائم.
من المتوقع أن تكون الأيام القادمة حاسمة حيث يجتمع قادة العالم لمعالجة الأزمة، ويوازنون بين المفاوضات الدبلوماسية والاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين. من المرجح أن تشكل استجابة المجتمع الدولي لاقتراح بوتين لوقف إطلاق النار مسار الجهود المبذولة لحل أحد أهم التحديات الأمنية التي تواجهها أوروبا في التاريخ الحديث.