يتباطأ الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا، مما يثير المخاوف ليس فقط على مستقبلها المحلي ولكن أيضًا على السوق العالمية الأوسع نطاقًا. ويتوقع المحللون الآن أن الصين ستفقد النمو المستهدف بنسبة 5% لهذا العام، حيث تشير المؤشرات الاقتصادية المختلفة إلى استمرار الركود. فقد تباطأ الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، في حين عانت أسواق الأسهم والقطاع العقاري في البلاد من انخفاضات كبيرة.
أصبحت البطالة مشكلة كبيرة، لا سيما بالنسبة للأجيال الشابة. فقد وصل معدل بطالة الشباب في المناطق الحضرية إلى 17% في شهر يوليو، مما ساهم في اتساع حالة عدم اليقين في سوق العمل. كما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة في المناطق الحضرية ارتفع إلى 5.3% الشهر الماضي، وهو أعلى معدل في ستة أشهر. وقد دفع ذلك العديد من الأسر الصينية إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، مما أدى إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي في البلاد. ولا يزال الانكماش مصدر قلق مستمر، مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
مشاكل سوق العقارات
يُعد الانهيار في قطاع العقارات أحد أهم العوامل التي تعيق الاقتصاد الصيني. فسوق العقارات الذي كان مسؤولاً عن ما يقرب من ربع النشاط الاقتصادي في الصين، يشهد اضطرابًا منذ عام 2020 عندما فرضت الحكومة قيودًا على قدرة المطورين على اقتراض الأموال. ومنذ ذلك الحين، تخلف العديد من المطورين الرئيسيين عن السداد، مما أدى إلى تأثير مضاعف في جميع أنحاء الاقتصاد. انخفض الاستثمار العقاري بأكثر من 10% هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
لم يستنزف انخفاض أسعار العقارات مدخرات الأسر فحسب، بل حد أيضًا من قدرة الحكومات المحلية على جمع الأموال من خلال مبيعات الأراضي. وقد أدى هذا التأثير المزدوج على كل من الحكومة المحلية والمالية الأسرية إلى فرض ضغوط هائلة على النمو العام في الصين.
الأسواق الراكدة والتحديات الديموغرافية
تظهر تداعيات التباطؤ الاقتصادي بوضوح في أسواق الأسهم الصينية. فقد انخفض المؤشر الرئيسي للأسهم الصينية بنحو 14% منذ أن وصل إلى أعلى مستوياته في مايو. على الرغم من فترات التفاؤل القصيرة التي أعقبت إعادة فتح الصين بعد سياسات “صفر كوفيد” الصارمة، إلا أن معنويات المستثمرين لا تزال منخفضة. فقد أحجم المستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء عن ضخ رؤوس الأموال في السوق الصينية بسبب عدم وجود رواية واضحة للانتعاش الاقتصادي.
ومما يزيد من مشاكل الصين الاقتصادية التحولات الديموغرافية، بما في ذلك شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد. ولمعالجة مشكلة تقلص القوى العاملة، رفعت الحكومة الصينية مؤخرًا سن التقاعد بمقدار ثلاث سنوات للرجال وخمس سنوات للنساء في الوظائف ذات الياقات الزرقاء. ومع ذلك، قد لا تكون هذه الخطوة كافية للتخفيف من الآثار طويلة الأجل لنقص العمالة في البلاد.
صراعات القطاع الخاص
على مدار العقد الماضي، تأثر القطاع الخاص في الصين أيضًا بتدخل الحكومة المتزايد. فمنذ توليه منصبه في عام 2013، وسع الرئيس شي جين بينغ حملة مكافحة الفساد، التي استهدفت في البداية المسؤولين الحكوميين ثم وسعت نطاقها لاحقًا لتشمل شخصيات بارزة في عالم الأعمال.
وقد تسبب هذا التحول في تراجع قطاع التكنولوجيا والصناعات الخاصة الأخرى، مما أدى إلى تراجع التفاؤل بشأن بيئة الأعمال في الصين. فقد سجلت الشركات الأمريكية العاملة في الصين أرباحًا قياسية منخفضة في عام 2023، كما أن العديد من الشركات تنقل استثماراتها إلى جنوب شرق آسيا والهند.
التدخل الحكومي المحدود
على الرغم من التحديات الاقتصادية المتزايدة، كانت الحكومة الصينية مترددة في اتخاذ تدابير تحفيزية واسعة النطاق، مثل تلك التي استخدمت خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وقد اقترح الاقتصاديون أن المدفوعات المباشرة للأسر المتعثرة أو تعزيز أنظمة الرعاية الاجتماعية يمكن أن تساعد في تعزيز الطلب الاستهلاكي، لكن الحكومة قاومت هذه الأفكار، وفضلت الاستثمار في التصنيع بدلاً من ذلك.
في مارس الماضي، كشف رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ النقاب عن استثمار حكومي يزيد عن مليار دولار أمريكي لتعزيز تصنيع أشباه الموصلات والتكنولوجيا الأساسية. وقد أظهرت هذه الاستراتيجية نتائجها بالفعل، حيث ارتفع الاستثمار في التصنيع بنسبة 9% هذا العام وزادت الصادرات العالمية بأكثر من 8% في أغسطس، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
التوترات التجارية العالمية
مع ضعف الطلب المحلي في الصين، اعتمدت البلاد بشكل متزايد على تصدير السلع، مما زاد من توتر علاقاتها التجارية. وقد أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن مخاوفهما من أن استخدام الصين للإعانات الحكومية يشوه التجارة العالمية، لا سيما في صناعات مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والصلب. ردًا على ذلك، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية جديدة على السلع الصينية، بما في ذلك تعريفة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية وتعريفة بنسبة 50% على الألواح الشمسية، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في نهاية سبتمبر.
ومع تباطؤ الصين الذي من المرجح أن يزيد من جهود التصدير الصينية، من المتوقع أن تتصاعد التوترات بين الصين والاقتصادات الرئيسية الأخرى، مما يزيد من حالة عدم اليقين التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية العالمية.