وفي تحول كبير استحوذ على اهتمام أصحاب المساكن والمشترين المحتملين على حد سواء، ارتفعت أسعار الفائدة على الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى نحو 7%، وهو ما يمثل تضاعفاً في غضون ثلاث سنوات فقط. وتعمل هذه الطفرة تدريجياً على إعادة تشكيل مشهد سوق الإسكان، مع ما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى على الحلم الأميركي بملكية المساكن.
إن ملكية المساكن، التي يُنظر إليها تقليديا باعتبارها السمة المميزة لاستقرار الطبقة المتوسطة، أصبحت على نحو متزايد هدفا طموحا يمكن تحقيقه في المقام الأول من قبل أولئك الذين لديهم ثروة أعلى من المتوسط. إن فجوة القدرة على تحمل التكاليف آخذة في الاتساع، حيث اعتبرت 16٪ فقط من القوائم في العام الماضي ميسورة التكلفة للأسرة الأمريكية النموذجية. وما زاد من العبء أن متوسط سعر المساكن ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 433.558 دولاراً، مصحوباً بارتفاع تكاليف التأمين والضرائب العقارية.
إن العواقب المترتبة على هذه المعدلات المرتفعة عميقة. فالمستأجرون، الذين يواجهون الواقع المرير المتمثل في تضاؤل احتمالات ملكية المساكن، يعبرون الآن عن احتمال بنسبة 60% بعدم امتلاك منزل على الإطلاق ــ وهو رقم لم نشهده منذ عقد من الزمان. إن حلم امتلاك منزل يتلاشى بالنسبة للكثيرين، مما يؤدي إلى تفاقم فجوة الثروة وترسيخ الفجوة بين أولئك الذين يملكون وأولئك الذين لا يملكون.
وحتى أصحاب المساكن الأكثر ثراء، والذين ربما استفادوا في البداية من القروض العقارية ذات الفائدة القابلة للتعديل، ليسوا محصنين ضد لسعة أسعار الفائدة المرتفعة. اختار أكثر من 1.7 مليون مشتري منازل منذ عام 2019 الحصول على قروض عقارية ذات أسعار فائدة قابلة للتعديل، ليجدوا أنفسهم يواجهون زيادات وشيكة في الدفعات مع ارتفاع الأسعار.
إن الضغوط المالية التي تفرضها معدلات الرهن العقاري المرتفعة هذه واضحة. ويخصص أصحاب المساكن الآن نسبة مذهلة تبلغ 35% من دخلهم للإسكان، وهو ما يتجاوز نسبة 29% التي ينفقها المستأجرون ــ وهو انعكاس صارخ للاتجاهات التقليدية.
ورغم أن سوق الإسكان كانت مدعومة ذات يوم بفائض في المساكن، فإن البيانات الأخيرة تشير إلى تحول وشيك. على الرغم من الطفرة في البناء في السنوات الأخيرة، إلا أن شركات البناء تعمل الآن على تقليص حجمها، مما قد يحد من نمو المخزون. ومن الممكن أن يؤدي هذا الاتجاه إلى استمرار الأسعار المرتفعة حتى لو انخفضت معدلات الرهن العقاري.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه سوق الإسكان تتجاوز القيود المالية. تسلط دراسة حديثة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو الضوء على التأثيرات طويلة المدى للحرارة الشديدة على إنتاجية البناء. ومع ارتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن تنخفض إنتاجية عمال البناء، مما يشكل تهديدا للاستثمار والناتج الاقتصادي.
وتتوقع الدراسة زيادة كبيرة في الإجهاد الحراري على العاملين في الهواء الطلق، مع تجاوز عدد الأيام في السنة عتبات السلامة المتوقع أن ترتفع من 22 في عام 2020 إلى حوالي 80 بحلول عام 2100. ومن الممكن أن يؤدي هذا التحول إلى خفض قدرة الاقتصاد على إنتاج الناتج بنحو 1.4% بحلول نهاية هذا القرن، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض مماثل في الاستهلاك بنسبة 0.5%.
وفي مواجهة هذه التحديات، يظل مستقبل سوق الإسكان في الولايات المتحدة غير مؤكد. إن حلم ملكية المنازل، الذي كان ذات يوم حجر الزاوية في الحلم الأميركي، أصبح الآن بعيد المنال بالنسبة للكثيرين. مع استمرار ارتفاع معدلات الرهن العقاري وتهديد إنتاجية البناء بسبب الحرارة الشديدة، يواجه صناع السياسات وأصحاب المصلحة في الصناعة مهمة شاقة تتمثل في التعامل مع مشهد الإسكان سريع التطور.
ويعمل ارتفاع معدلات الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى 7% على إعادة تشكيل سوق الإسكان، الأمر الذي يفرض تحديات كبيرة على المشترين وأصحاب المساكن المحتملين على حد سواء. ومع تضاؤل القدرة على تحمل التكاليف ومواجهة إنتاجية البناء تهديدات ناجمة عن الحرارة الشديدة، يصبح الطريق إلى ملكية المساكن محفوفا بالعقبات على نحو متزايد.