مكاسب اليمين المتطرف تؤدي إلى دعوة ماكرون لإجراء استطلاعات رأي مفاجئة

far-right-gains-trigger-macron's-call-for-snap-polls

في تحول دراماتيكي في المشهد السياسي الأوروبي، حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي. وقد هزت هذه الطفرة القوى التقليدية داخل الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى مناورة سياسية غير متوقعة من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة ردًا على ذلك.

ومع فرز الأصوات من الكتلة المكونة من 27 دولة، أصبح من الواضح أن تركيبة البرلمان الأوروبي قد تحولت بالتأكيد نحو اليمين. ونجحت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، وهي شخصية بارزة في الحركة اليمينية المتطرفة، في مضاعفة مقاعد حزبها بأكثر من الضعف. وبالمثل، في ألمانيا، تمكن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف من الحصول على عدد كبير من المقاعد، متجاوزًا الدعاية السلبية التي صاحبت الفضائح الأخيرة ومتفوقًا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتز.

تعكس نتائج هذه الانتخابات اتجاهاً أوسع نطاقاً لتزايد نفوذ الأحزاب القومية والشعبوية في جميع أنحاء أوروبا. ومن المتوقع أن تجعل هذه الأحزاب من الصعب بشكل متزايد على البرلمان الأوروبي تمرير تشريعات بشأن القضايا الحرجة، بما في ذلك تغير المناخ والسياسة الزراعية، على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وجاء الانتصار الأبرز في فرنسا، حيث هيمن حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان على استطلاعات الرأي. وقد دفع التأييد الساحق لحزب لوبان الرئيس ماكرون إلى حل البرلمان الوطني في خطوة غير مسبوقة، داعيًا إلى إجراء انتخابات جديدة في وقت لاحق من الشهر. ويمثل هذا القرار مقامرة كبيرة بالنسبة لماكرون، الذي يمكن أن تتعرض ولايته الرئاسية المتبقية حتى عام 2027 للخطر بسبب المزيد من الخسائر التي سيتكبدها حزبه.

في ألمانيا، كانت الانتخابات إشارة واضحة إلى تغير الولاءات السياسية في ألمانيا. على الرغم من تورط حزب البديل من أجل ألمانيا في الخلافات، إلا أنه شهد زيادة في نسبة تأييده إلى 16.5%، بعد أن كانت 11% في عام 2019. وقد وضع هذا الصعود حزب البديل من أجل ألمانيا كثاني أقوى قوة في ألمانيا، وهي علامة واضحة على جاذبية الحزب المتزايدة بين الناخبين الذين خاب أملهم في المؤسسة السياسية التقليدية.

أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فبينما ظل الديمقراطيون المسيحيون، بقيادة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والاشتراكيون هم المجموعتان الرئيسيتان المؤيدتان لأوروبا، إلا أنهما يواجهان الآن مجلسًا تشريعيًا يتمتع فيه اليمين المتطرف بحضور أقوى بكثير. سيشهد حزب الخضر، الذي من المتوقع أن يخسر حوالي 20 مقعدًا، تضاؤلًا في تأثيره، لا سيما فيما يتعلق بسياسات الاتحاد الأوروبي التقدمية في مجال المناخ.

وإدراكًا منها للمشهد السياسي المتغير، اقترحت فون دير لاين في وقت متأخر من يوم الأحد تشكيل ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين المؤيدين لقطاع الأعمال. وتهدف هذه الخطوة إلى ترسيخ استقرار المجلس وفعاليته في ظل تزايد شعبية كل من فصائل اليمين المتطرف واليسار المتطرف.

تأتي نتائج انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي في ظل تحديات كبيرة يواجهها الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك التعافي من جائحة فيروس كورونا، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وأزمة الطاقة المستمرة التي تفاقمت بسبب التوترات الجيوسياسية. وعلى الرغم من أن الحملات الانتخابية ركزت في كثير من الأحيان على القضايا الوطنية أكثر من تركيزها على الاستراتيجيات الأوروبية الشاملة، إلا أن التحول في تركيبة البرلمان يؤكد على فترة اختبار حاسمة لثقة الناخبين في التكتل.

مع صعود الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تقود حكومات في المجر وسلوفاكيا وإيطاليا، ومشاركتها في الائتلافات الحاكمة في دول مثل السويد وفنلندا وهولندا، يستمر المشهد السياسي في أوروبا في التطور. يمكن أن يكون لهذا التحول آثار عميقة على سياسات الاتحاد الأوروبي المستقبلية ودوره على الساحة العالمية، مما يمثل لحظة محورية في السياسة الأوروبية.