تستعد التجارة العالمية لانتعاش ملحوظ في عام 2024، ومن المتوقع أن يزيد معدل نموها بأكثر من ضعفي معدل نموها عن العام السابق، وفقًا لتوقعات المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ويأتي هذا الانتعاش في أعقاب التباطؤ في عام 2023 الذي يُعزى إلى عوامل مثل ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة وضعف الطلب.
وتشير توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أنه من المتوقع أن ترتفع التجارة العالمية في السلع والخدمات بنسبة 2.3% هذا العام، مع توقع نمو أقوى بنسبة 3.3% لعام 2025. ويمثل هذا تسارعًا كبيرًا مقارنة بالنمو المتواضع البالغ 1٪ المسجل في عام 2023. ومن المتوقع أن تلعب الصين وشرق آسيا أدواراً محورية في دفع هذه الزيادة في النشاط التجاري.
وتشير المؤشرات المبكرة بالفعل إلى اتجاه إيجابي في التجارة العالمية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كبيرة بالنسبة للاقتصادات الكبرى. تكشف البيانات الأخيرة من منطقة اليورو عن ارتفاع ملحوظ في التجارة، مما ساهم في نمو ربع سنوي بنسبة 3.2٪ في ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة. وشهدت إسبانيا، مدعومة بالدفعة التي جاءت في الوقت المناسب من عطلة عيد الفصح في مارس، مساهمة ملحوظة من الطلب الخارجي في نموها في الربع الأول.
وفي جميع أنحاء منطقة اليورو، أعلنت دول مثل إيطاليا وفرنسا أيضًا عن زيادات في صادرات السلع، مما يشير إلى انتعاش واسع النطاق في النشاط التجاري. وسجلت فرنسا، على وجه الخصوص، ارتفاعاً بنسبة 2.9% في صادرات السلع في مارس/آذار، الأمر الذي أدى إلى انخفاض العجز التجاري في البلاد إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات.
ويمتد الزخم الإيجابي إلى ما هو أبعد من أوروبا، حيث من المتوقع أن تشهد أحجام التجارة العالمية ارتفاعًا كبيرًا وفقًا لأحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي. وتتوقع منظمة التجارة العالمية أيضًا انتعاش تجارة السلع بنسبة 2.6% في عام 2024، بعد انخفاض بنسبة 1.2% في العام السابق.
ويعزو الخبراء هذا الانتعاش في التجارة العالمية إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك الانتعاش الدوري للتجارة إلى جانب النمو الاقتصادي الأوسع والحل التدريجي للركود الصناعي الذي ميز عام 2023. تشير تقارير مراقب التجارة العالمية إلى عودة النمو في تجارة السلع، مدفوعة بالتوسعات في الاقتصادات الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة.
ومع ذلك، على الرغم من العلامات المشجعة، فإن مسار التجارة العالمية لا يزال أقل من مستويات ما قبل الوباء. وبلغ متوسط معدلات النمو السنوي بين عامي 2006 و2015 4.2%، مما يسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تفرضها التوترات الجيوسياسية، والصراعات الإقليمية، والشكوك الاقتصادية.
وقد أدت التطورات الجيوسياسية الأخيرة، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى تفاقم هذه المخاطر، مما أدى إلى تباطؤ التدفقات التجارية بين الكتل المتحالفة جيوسياسيا. علاوة على ذلك، تضيف الانتخابات الأمريكية المقبلة طبقة أخرى من عدم اليقين، مع اقتراح الرئيس السابق دونالد ترامب زيادة التعريفات الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة إذا أعيد انتخابه، وخاصة استهداف الواردات من الصين.
وبالنظر إلى المستقبل، فبينما تبدو آفاق التجارة العالمية واعدة، فإن الطريق إلى النمو المستدام يظل مرهونا بمعالجة التحديات والشكوك الأساسية. وسوف تحتاج الحكومات والمؤسسات الدولية إلى التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، وتعزيز التعاون، وتشجيع السياسات التي تؤدي إلى التوسع التجاري لضمان وجود نظام تجاري عالمي مرن وشامل.
ومع اكتساب التجارة العالمية زخما، فإن آثارها تمتد إلى ما هو أبعد من المؤشرات الاقتصادية، وتشكل مسار الدول وترابط الاقتصاد العالمي. ومن خلال الجهود المتضافرة، يقف العالم على أهبة الاستعداد لتسخير إمكانات التجارة كمحرك للرخاء والتنمية المستدامة في السنوات القادمة.