عندما نفكر في المنحوتات الرخامية اليونانية الكلاسيكية، فإننا غالبًا ما نتخيلها كما تظهر اليوم – هياكل بيضاء نقية ونقية تقف شامخة في المتاحف وصالات العرض في جميع أنحاء العالم. إلا أن دراسة حديثة نشرت في مجلة “Antiquity” سلطت الضوء على جانب مختلف من هذه الأعمال الفنية القديمة، وكشفت أن منحوتات البارثينون الشهيرة التي يبلغ عمرها 2500 عام، كانت مزينة ذات يوم بأنماط زهرية ملونة وتصاميم متقنة.
استخدم الباحثون في المتحف البريطاني، حيث يوجد ما يقرب من نصف منحوتات البارثينون، بالتعاون مع كلية كينجز في لندن، تقنية تصوير غير جراحية للكشف عن آثار الطلاء على 11 من أصل 17 شخصية ومن قسم من الإفريز المعروض. وأوضح الدكتور جيوفاني فيري، مؤلف الدراسة الرئيسي وعالم الحفاظ على البيئة في معهد شيكاغو للفنون، أن طبقات الطلاء كانت هشة وتقع في أعلى السطح، مما يجعلها عرضة للتأثيرات البيئية. وقال: “هذه مجرد طبقات طلاء رقيقة في أعلى سطح هذه الأشياء، وبالتالي فهي في الواجهة بين كل ما يحدث. … (الطلاء) هو أول من يحصل على تأثير البيئة”.
تُعرف التقنية المستخدمة للكشف عن بقايا الطلاء بالتصوير التلألؤي المرئي، وهي عملية ابتكرها الدكتور فيري في عام 2007. تستخدم هذه الطريقة ضوء الأشعة تحت الحمراء للكشف عن آثار الطلاء المجهرية غير المرئية للعين البشرية. أحد أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام هو وجود صبغة تسمى “الأزرق المصري”، وهي صبغة شائعة في ذلك الوقت مصنوعة باستخدام الكالسيوم والنحاس والسيليكون. وتم اكتشاف “الأزرق المصري” في عدة مواقع على المنحوتات، بما في ذلك ذيل الثعبان على تمثال الملك الأسطوري كيكروبس، ضمن مساحة خلفية تمثالي ديميتر وبيرسيفوني، وعلى الثوب الذي كانت ترتديه ديوني والدة أفروديت.
وبالإضافة إلى “الأزرق المصري”، اكتشف الباحثون أيضًا لونًا أرجوانيًا فريدًا يسمى “أرجوان البارثينون”. على عكس وصفة البحر الأبيض المتوسط القديمة اليومية للون الأرجواني التي تستخدم المحار، لم يتم صنع هذا اللون باستخدام المحار، مما يجعله فريدًا بشكل خاص.
تعتبر النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة مهمة لأنها تتحدى التصور الغربي التقليدي للفن الكلاسيكي الذي يتكون حصريًا من الرخام الأبيض. وقال مايكل كوزموبولوس، أستاذ علم الآثار والدراسات اليونانية بجامعة ميسوري سانت لويس: “تثبت هذه الدراسة الحديثة أن الزخرفة الملونة كانت شائعة في الفن اليوناني القديم”. لويس.
وفي حين أن إعادة البناء الكامل للمظهر الأصلي للمنحوتات أمر مستحيل، فقد فتحت الدراسة الباب أمام فهم أعمق للعالم القديم وأهمية اللون في الفن اليوناني. ومع تقدم البحث، من المأمول أن يكشف المزيد من التصوير عن ألوان أخرى على المنحوتات، مما يزيد من إثراء معرفتنا بهذه الروائع القديمة.
إن اكتشاف اللون الأزرق المصري ولون أرجواني البارثينون على منحوتات البارثينون ليس مجرد شهادة على التقدم التكنولوجي في علم الآثار ولكنه أيضًا خطوة نحو إعادة تعريف فهمنا للفن اليوناني الكلاسيكي. تقدم هذه الآثار الملونة لمحة عن عالم القدماء النابض بالحياة، حيث لعب اللون دورًا حاسمًا في القيمة الجمالية والرمزية للأعمال الفنية. وبينما نواصل استكشاف وكشف الأشكال الخفية للتاريخ، يمكننا أن نتوقع الحصول على صورة أكثر شمولية ودقة للماضي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سد الفجوة بين التصورات القديمة والحديثة للفن والثقافة.