في خطوة مهمة لتشخيص الأمراض المعدية، طور الباحثون تقنية جديدة قادرة على التمييز بدقة بين عدوى فيروس زيكا وفيروس حمى الضنك. ويعد هذا التقدم أمرًا حيويًا بشكل خاص في المناطق التي يتوطن فيها الفيروسان، مما يوفر الأمل في تحسين استراتيجيات العلاج وتطوير اللقاحات.
وينتقل فيروس زيكا، المعروف بانتشاره السريع إلى الأمريكتين في عام 2015، في المقام الأول عن طريق لدغات البعوض، على غرار فيروس حمى الضنك. غالبًا ما يؤدي كلا الفيروسين إلى إنتاج أجسام مضادة مماثلة، الأمر الذي جعل حتى الآن من الصعب على المتخصصين في مجال الصحة التشخيص الدقيق والتمييز بين الاثنين. ويمكن أن يكون لهذا الخلط آثار خطيرة، خاصة بالنسبة للنساء الحوامل، حيث ترتبط الإصابة بفيروس زيكا أثناء الحمل بعيوب خلقية كبيرة.
استخدم الباحثون في جامعة بيتسبرغ للصحة العامة، بقيادة بريسيلا كاستانها، دكتوراه، ما وصفوه بـ “أوليجومرات مستوحاة من الببتيد ومقيدة مطابقًا” (PICCOs) لمعالجة هذه المعضلة التشخيصية. تم تصميم هذه الجزيئات الاصطناعية لتقليد الحواتم الخاصة بمسببات الأمراض، وبالتالي جذب الأجسام المضادة الخاصة بالفيروسات.
تتضمن طريقة الفريق فحص نصف مليون من فيروسات PICCO مقابل عينات الدم المأخوذة من أفراد معروف أنهم مصابون بفيروس زيكا أو حمى الضنك. ومن خلال هذا الفحص الشامل، حددوا 40 من كائنات PICCO التي تفاعلت بشكل خاص مع الأجسام المضادة لفيروس زيكا. ومن الجدير بالذكر أن أحد مركبات PICCO، المسمى CZV1-1، أثبت فعاليته بشكل خاص، حيث تمكن من تحديد حالات الإصابة بفيروس زيكا بشكل صحيح بنسبة 85.3% من الحالات، مع الحفاظ على معدل إيجابي كاذب منخفض يبلغ 1.6% فقط.
تمثل هذه التكنولوجيا أول استخدام لتقنية الحاتمة البديلة في المعركة ضد زيكا. وهو يعالج فجوة حاسمة في أدوات التشخيص الحالية المتاحة للتمييز بين أنواع العدوى ضمن عائلة الفيروسات المصفرة، والتي لا تشمل فيروس زيكا وحمى الضنك فحسب، بل تشمل أيضًا فيروسات أخرى ينقلها البعوض والقراد.
أحد أهم الجوانب الرائدة في هذه التكنولوجيا الجديدة هو تطبيقها العملي في الظروف الميدانية. لا تحتاج فيروسات PICCO إلى التبريد، وهو تحدٍ شائع في العديد من المناطق الاستوائية حيث تنتشر هذه الفيروسات. تجعل هذه السمة من التكنولوجيا أصولًا لا تقدر بثمن في المناطق النائية أو ذات الموارد المحدودة، مما يعزز القدرة على إدارة تفشي المرض ومكافحته بشكل فعال.
إن تطوير هذه الأداة التشخيصية ليس مجرد إنجاز تقني ولكنه أيضًا إنجاز لوجستي، مما يبسط عملية الاختبار بشكل كبير. خلال تفشي فيروس زيكا في عام 2015، كان التشخيص الدقيق مرهقًا وتطلب اختبارات متعددة لتأكيد الإصابة. ومن الممكن أن يؤدي إدخال CZV1-1 PICCO إلى تبسيط هذه العملية، مما يقلل من الوقت والموارد اللازمة لتشخيص فيروس زيكا بدقة.
وتمتد آثار هذه التكنولوجيا إلى ما هو أبعد من التشخيص الفوري. ومن خلال توفير وسيلة موثوقة للتمييز بين عدوى زيكا وحمى الضنك، تستطيع السلطات الصحية تقييم مستويات المناعة بين السكان بشكل أفضل، وتحسين التجارب السريرية للعلاجات الجديدة، وتعزيز الدراسات الوبائية. وقد يكون لهذا تأثيرًا خاصًا في مناطق مثل البرازيل، حيث تعرضت قطاعات كبيرة من السكان لكلا الفيروسين.
علاوة على ذلك، فإن القدرة على التمييز بين هذه العدوى بدقة يمكن أن تفيد قرارات الصحة العامة وربما توجه تطوير اللقاحات، مما يضمن توجيه الموارد نحو التهديدات الصحية الأكثر إلحاحًا.
ومع تحرك هذه التكنولوجيا نحو تطبيق أوسع، فإنها تَعِد ليس فقط بتحسين النهج الذي نتبعه في تشخيص وإدارة زيكا وحمى الضنك، بل وأيضاً بتوفير نموذج للاستجابة لتفشي فيروسات أخرى. وتمثل هذه التكنولوجيا البديلة للحاتمة، من خلال تقديم أداة تشخيصية دقيقة وقابلة للتكيف، تقدمًا محوريًا في المعركة العالمية ضد الفيروسات التي تنتقل عن طريق البعوض والقراد.