تركت الفيضانات الأخيرة التي ضربت شرق إسبانيا آثارًا مدمرة على الأرواح والبنية التحتية في جميع أنحاء منطقة فالنسيا. ومع وجود أكثر من 218 حالة وفاة مؤكدة، فإن الفيضانات التي نجمت عن الأمطار الغزيرة التي هطلت يومي 29 و30 أكتوبر/تشرين الأول، كانت واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية دموية في تاريخ إسبانيا الحديث. وبينما تتمسك العائلات بالأمل في العثور على أحبائهم المفقودين، تستمر أعمال التعافي الهائلة مع طرح الحكومة المركزية حزمة إغاثة واسعة النطاق، بينما تكافح المجتمعات المحلية لإعادة البناء وسط مشاهد الدمار الواسع النطاق.
في بلدة سيدافي، كانت ماريا مورغي وعائلتها من بين أولئك الذين ما زالوا ينتظرون أخباراً عن أحد أحبائهم المفقودين. فقد اختفى والدها، فرانسيسكو، أثناء الكارثة بعد أن خرج لإنقاذ دراجته النارية من مياه الفيضانات المتصاعدة. كان آخر اتصال معروف له هو رسالة طمأنت عائلته على سلامته، ولكن بحلول الوقت الذي وصلت فيه المساعدة، لم يكن قد عُثر عليه في أي مكان. تسلط قصة ماريا، التي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعات العامة، الضوء على التحديات التي تواجهها العديد من العائلات أثناء بحثها عن أقاربها المفقودين.
وقد بثت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية الحكومية RTVE نداءات من العائلات التي تسعى للحصول على المساعدة لتحديد مكان أحبائها، ولم تقدم السلطات حتى الآن إحصاءً رسميًا للمفقودين. ومع ذلك، لم تتعثر جهود المجتمع المحلي، حيث يدعم المتطوعون وخدمات الطوارئ العائلات ويساعدون السكان على إنقاذ ما يمكنهم إنقاذه من الكارثة.
وفي الوقت نفسه، تحركت الحكومة المركزية في إسبانيا بسرعة لتنفيذ حزمة إغاثة كبيرة تهدف إلى المساعدة في التعافي في جميع أنحاء المناطق المتضررة. فقد أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن حزمة بقيمة 10.6 مليار يورو، على غرار تدابير الدعم التي كانت متبعة في عهد الوباء، لمساعدة المجتمعات التي فقدت أرواحًا ودُمرت منازلها. ويحق لأصحاب المنازل الحصول على مدفوعات مباشرة تتراوح بين 20,000 يورو و60,000 يورو حسب حجم الأضرار، كما سيتم تقديم مساعدات مالية للشركات المتضررة والحكومات المحلية. وأكد سانشيز على حجم التعافي المطلوب وطلب رسميًا دعمًا إضافيًا من الاتحاد الأوروبي.
تكشف الأضرار المادية في بلدات مثل سيدافي وبايبورتا وغيرها من المناطق المتضررة عن الحجم الحقيقي للكارثة. لا تزال الطرقات مغمورة بالطين البني الكثيف، والسيارات مهجورة في القنوات والشوارع، وأكوام من الممتلكات المدمرة والنباتات وغيرها من الحطام تملأ الأحياء. تنبعث من الشوارع رائحة كريهة تنبعث منها رائحة كريهة من آثار الكارثة، بينما يكافح السكان لإزالة الحطام والعودة إلى الحياة الطبيعية. لم يفقد الكثيرون ممتلكاتهم فحسب، بل فقدوا أيضاً إمكانية الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية.
وبينما تمت إعادة المياه إلى العديد من البلدات، تحذر السلطات من أنها لا تزال غير آمنة للشرب، وتحث الناس إما على غليها أو الاعتماد على إمدادات المياه المعبأة الموزعة. وقد ظهرت مطابخ الطوارئ ومحطات الطعام المؤقتة في جميع أنحاء المنطقة لضمان حصول السكان على الضروريات الأساسية. وقد ترك الدمار الطوابق الأرضية لآلاف المنازل غير صالحة للسكن، في حين لا يزال عدد لا يحصى من المركبات التي جرفتها المياه أو غمرتها المياه تذكيراً قاتماً بالخسائر التي خلفتها الكارثة. وفي العديد من الحالات، ربما لا تزال هذه المركبات تحتوي على جثث لم يتم انتشالها بعد.
جهود التنظيف واسعة النطاق، حيث يشارك الآلاف من الجنود ورجال الإطفاء وضباط الشرطة في البحث عن الضحايا وإزالة الحطام. وتقوم وحدات متخصصة بالبحث عن السيارات العالقة في القنوات الموحلة والمباني التي دمرتها مياه الفيضانات. كما ازدادت المخاوف الصحية، مما دفع السلطات إلى التوصية بتطعيم أي شخص مصاب بجروح قد تكون لامست مياه الفيضانات بلقاح الكزاز. يواصل المتطوعون المقنعون العمل جنباً إلى جنب مع موظفي الطوارئ، لكن الضغط النفسي على المجتمع المحلي واضح.
وعلى الرغم من الجهود الجماعية، إلا أن الإحباطات بشأن الاستجابة للأزمة قد ظهرت على السطح. ففي بايبورتا، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررًا، اشتعلت التوترات خلال زيارة العاهل الإسباني سانشيز وقادة المنطقة. وعبّر السكان المحليون، الذين شعروا بالإحباط من إدارة الأزمة، عن إحباطهم بإلقاء الطين والحطام أثناء زيارة المسؤولين. يسلط الحادث الضوء على الخسائر العاطفية والغضب العميق داخل المجتمعات المحلية المتضررة، حيث يتصارع السكان مع الآثار المترتبة على ما يشعرون أنه استجابة غير كافية.
ومع بدء عملية التعافي الطويلة في شرق إسبانيا، تظل قدرة المجتمعات المحلية والأسر والمتطوعين على الصمود محورية في جهود إعادة البناء. ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مدى نجاح تدابير الإغاثة الحكومية والدعم الدولي لاستعادة ما يشبه الحياة الطبيعية في البلدات التي حطمها هذا الفيضان المأساوي.